الصفحة الأساسية > عربي > نشـاط الحـركـة > [bleu]حوار ثري لا يجب أن يبقى بين أربعة جدران[/bleu]
في المجلس الأعلى للتنمية
[bleu]حوار ثري لا يجب أن يبقى بين أربعة جدران[/bleu]
الخميس 9 تشرين الأول (أكتوبر) 2008
التأم المجلس الأعلى للتنمية برئاسة الوزير الأول صباح يوم السبت 27 سبتمبر الماضي بنزل "المرادي" بقمرت للنظر في التقرير السنوي حول التنمية لسنة 2008 المتضمن أيضا الإنجازات التي حصلت سنة 2007 والانجازات المنتظرة لسنة 2008 إضافة إلى توقعات سنة 2009 .
ومعلوم أن المجلس يتركب من الوزارات المعنية و"المنظمات الوطنية" و"الأحزاب السياسية" علما بأن هذا المصطلح لا ينطبق في القانون إلا على الأحزاب التي لها نواب في البرلمان وهو إقصاء غير منطقي وغير مقبول...
وقد شارك في هذا المجلس نيابة عن حركة التجديد السيد أحمد إبراهيم الأمين الأول الذي أعطيت له الكلمة بعد الأمناء العامين لكل من التجمع الدستوري الديمقراطي وحركة الديمقراطيين الاشتركيين وحزب الوحدة الشعبية، إلا أن هذا الترتيب يبدو أنه لم يرق لا لوكالة الأنباء الرسمية ولا لجريدة "لابراس" الحكومية ولا لقناة 7 التلفزية، التي ارتأت جميعها اتباع "بروتوكول" آخر يقدم على حركة التجديد كل الأحزاب الأخرى بناء على ما دأبت عليه تلك الوسائل "الإعلامية" من تمييز ضد حركة التجديد ومحاباة للأحزاب الدائرة في فلك السلطة مجازاة لها على مواقفها "المنسجمة" المعروفة ... كما قدمت جل وسائل الإعلام باستثناء جريدة "الصباح" تلاخيص لمختلف الأطراف حرصت فيها على صنصرة كل نفس نقدي إن وجد، وكأن الحوار لا يمكن في نظرها أن يكون إلا مع وبين "بني وي وي".
فإلى متى سيتواصل هذا التعامل المتخلف لوسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية مع حركة التجديد والتعتيم المفروض على مواقفها، التي يشهد كل من حضر مختلف المجالس العليا القطاعية والعامة على جدية إضافاتها وثراء مساهماتها التي تقدمها من منطلق وطني بوصفها حزبا معارضا مسؤولا لا ينكر الإيجابيات كلما وجدت ولكنه يوجه الانتقادات والمقترحات بعيدا في نفس الوقت عن التطبيل والمجاملة ومنطق التحامل والمزايدة العقيمة؟ ومتى تقلع السلط عن تطيرها من الرأي المخالف وإصرارها على أن تبقى التعددية سجينة جدران مقرات الأحزاب المعارضة وأعمدة صحفها محدودة التوزيع وفي أحسن الحالات سجينة قاعات الحوار المغلقة التي تلتئم فيه المجالس العليا والندوات "الاستشارية"؟
في انتظار أن ترفع (متى؟) عن الاعلام الوطني كبالات الهيمنة والاحتكار نقدم فيما يلي نص مداخلة أحمد إبراهيم في المجلس الأعلى للتنمية
سيدي الوزير الأول رئيس المجلس، سيدي وزير التنمية والتعاون الدولي، أيها السادة والسيدات،
تفاعلا مع الوثائق التي تفضلت وزارة التنمية بمدنا بها ومع تقرير السيد الوزير الأول في افتتاح هذه الجلسة، وفي نفس الوقت الذي أعبر فيه عن تثميني للمجهودات المبذولة في ظل ظروف عالمية صعبة، أود تقديم بعض الملاحظات تتعلق ب:
النمو والاستثمار،
التشغيل،
الدخل الفردي ومسألة القدرة الشرائية،
مردودية منظومة التربية والتكوين.
1) فيما يخص النمو والاستثمار، سأنطلق من المذكرة الملحقة بالوثائق حول "النتائج المنتظرة ل 2008 ومشروع منوال التنمية ل 2009":
نقرأ في ص.2 من هذه المذكرة أن من العناصر التي تلعب دورا رئيسيا في النمو هناك "تنامي حصة الأنشطة ذات المحتوى المعرفي المرتفع في الناتج الإجمالي"، كما تؤكد نفس المذكرة على الارتفاع في نسبة الاستثمار الجملي والاستثمار الخارجي. هاتان النقطتان فيهما قول:
— أولا: فيما يتعلق بحصة "الأنشطة ذات المستوى المرتفع" تجدر الإشارة إلى أن نظرة سريعة إلى تركيبة التجارة الخارجية والصادرات تبين نقصا لافتا للنظر في تنوع المنتوجات المصدرة حيث تكاد تقتصر هذه المنتوجات على القطاعات التي تشهد تقهقرا مطردا في الإقبال عليها في السوق العالمية والتي هي في نفس الوقت ذات قيمة مظافة ضعيفة، وهذا ما يجعل الحديث عن ارتفاع مستوى الأنشطة التي هي وراء تلك المنتوجات محل تساؤل...
— ثانيا: فيما يتعلق بالاستثمار، تقول المذكرة (ص.2) أن نسبة الاستثمار الجملي المنتظرة سترتفع إلى 25,1 %من الناتج الإجمالي ونسبة الاستثمار الخارجي سترتفع إلى 5,6 % من نفس الناتج الإجمالي. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: من أين جاء هذا الارتفاع؟ الجواب نجده في "التقرير السنوي حول التنمية لسنة 2008 – الجزء الأول – المحتوى الجملي"، ص. 247 تحت عنوان:"تكوين رأس المال الإجمالي الثابت حسب القطاعات". فالزيادة بما بين 1200 و1300 مليون دينار التي حصلت في 2007 مقارنة ب2006 نجد فيها بين 700 و800 م.د متأتية من المحروقات (أي الصناعات الاستخراجية للمحروقات).. وهذا لا يبدو لي أنه يعني زيادة ذات معنى في الاستثمار الخارجي لأن هذا القطاع ليس قطاعا مشغلا ولا يعكس "جاذبية" خاصة للصناعة التونسية، علاوة على ما يترتب عن خصوصية هذا القطاع من نقل هام للمداخيل إلى الشركات الأجنبية المعنية. والاستنتاج المنطقي الذي نخرج به هو أن النقص أو العجز في الاستثمار ما زال قائما دون تطور يستحق كل هذه الإشادة مقارنة بالمعدل التاريخي لنسبة الاستثمار بتونس التي تحوم حول ال 26 %. ثم ما تبرزه الوثائق من ارتفاع مساهمة القطاع الخاص في الاستثمار، هل هو كاف على الأقل من ناحية نوعية الاستثمار؟
في الحقيقة ما زالت قضية توفير الشروط لإعطاء الدفع المطلوب للاستثمار مطروحة: أي ظروف الأمنافسة
— إصلاح القطاع البنكي
— مزيد حفز المبادرة الخاصة بتجاوز أزمة الثقة في المستقبل لدى المستثمرين بسبب غياب الشفافية الكافية في المعاملات والعروض
– ضمان مبدأ علوية القانون على الجميع مهما كان قربهم أو بعدهم من السلطة ومراكز القرار – الدور الاستراتيجي للدولة التي تبين الأزمة المالية العالمية اليوم كم هو أساسي، الخ...
2) ملاحظتي الثانية لها علاقة بالتشغيل ،حيث آفاق "الخروج من عنق الزجاجة" كما يقال لا تبعث على الإفراط في التفاؤل، وحيث يجب أن يكون التشخيص صحيحا. ولكي يكون التشخيص صائبا يجب التركيز على العناصر أو الأبعاد الثلاثة الرئيسية التالية التي يتطلب كل واحد منها معالجة خصوصية (ciblée):
— البعد الجهوي أي الاختلال الحالي بين شرق البلاد وغربها مع فروقات في نسبة البطالة ما زالت ب 15 نقطة وأكثر،
— البعد النوعي (gender) حيث الفروق بين الرجال والنساء في نسبة البطالة ما زالت ب 5 نقاط وأكثر،
— البعد العمري حيث تضرب البطالة فئة الشباب وخاصة حاملي الشهادات العليا...
وفي هذا المضمار سأكتفي بلفت النظر إلى إلى نقطة واحدة: ما من شك في أن الاعتمادات المرصودة والبرامج المخصصة لتشجيع الإندماج محترمة بل هي أحيانا هامة جدا، ولكن هل هي مستعملة على الوجه الناجع المطلوب؟؟ من المستفيد من برامج الإدماج والإمكانيات والتشجيعات المخصصة للمشغلين الذين ينتدبون أصحاب الشهادات في إطار ال SIVP وغيره؟ من المفروض أن يستفيد منها في المقام الأول الشبان الذين تعترضهم صعوبات اندماج أكثر من غيرهم... لكن الممارسة تبين مع الأسف واقعا معاكسا للمنطق إذ أن المعاملة الفعلية السائدة هي معاملة "بالمقلوب" حيث أن الإعانات يستفيد منها من هم أقل حاجة إليها من غيرهم: التقييم الذي تم في شهر أوت المنصرم في إطار لجان الاستشارة الوطنية حول التشغيل يبين أن ثلاثة أرباع المنتفعين هم من خريجي كليات الطب والصيدلة والهندسة وغيرها من الشعب "النبيلة" في حين أن خريجي كليات العلوم والآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية لا ينالون إلا أقل من الربع... فنحن هنا إزاء وضعية غير منطقية وغير عادلة يجب أن يقع تصحيحها حالا لما فيها من تعميق غير مقبول للحيف الاجتماعي والفوارق الجهوية، لأن المحرومين من فرص الاندماج المهني هم أنفسهم المحرومون من فرص التوجيه المدرسي والجامعي، أي أبناء الفئات الفقيرة والجهات المهمشة...
3) ملاحظتي الثالثة استوحيتها من الصفحة 8 من المذكرة – الملحق (الفقرة الأخيرة) حيث نقرأ من ناحية :" الارتقاء بالدخل الفردي إلى أكثر من 5000 د." ومن ناحية أخرى " المحافظة على المقدرة الشرائية لمجمل الشرائح الاجتماعية وخاصة منها الفئات الضعيفة.." ... وملاحظتي هي في شكل تساؤل: لماذا "المحافظة" فقط؟؟ المحافظة ذاتها غير مضمونة بالنظر إلى التضخم ولكن إذا كانت نسبة النمو المقدرة 6,1 % وإذا كان معدل الدخل الفردي سيزيد بحوالي 500 د. فلماذا لا يستفيد من ذلك الأجراء ومحدودو الدخل في شكل تحسين لظروف عيشهم عبر الرفع من مقدرتهم الشرائية؟ هذا ما يتطلبه الإنصاف وضرورة عدم تحميل التضحيات للشغالين والفئات الضعيفة ...
4) الملاحظة الرابعة والأخيرة تتعلق بمنظومة التربية والتكوين في جميع مراحلها. في هذا المجال لا بد من تشخيص جريئ لنقاط الضعف الهيكلية، ولا بد من إرادة واضحة في إصلاح جوهري لكامل هذه المنظومة. فمواطن الخلل الهيكلية تتطلب حلولا حقيقية، سواء منها الاختلالات المرتبطة بظاهرة الانقطاع التي تجعل 140.000 تلميذ يغادرون المدرسة كل عام (ومنهم 80.000 لم ينهوا التعليم الأساسي)، أو الاختلالات المتعلقة بالتفاوت بين الجهات الذي ما يزال مصدر انشغال. من ذلك مثلا أن حظوظ التوجيه نحو الشعب "النبيلة" أرفع بمرتين أو ثلاثة في المناطق الساحلية منها في المناطق الداخلية.
إضافة إلى ذلك هنالك الاختلالات المتعلقة بانحدار المستوى الذي تدل التقييمات العالمية مثل PISA على مدى عمقه: أكثر من ثلاثة أرباع التلاميذ في سن 15 سنة لا يصلون إلى المستوى الأدنى (أي 1 في سلم تصاعدي من 1 إلى 5 أو 6) بينما نجد0 9 % من التلاميذ الكوريين مثلا في الدرجة 2 فما فوق. مثال آخر: 90 في المائة من المترشحين للبكالوريا آداب ليس لهم المعدل في اللغات، لا العربية ولا الفرنسية ولا الانكليزية وأغلب الطلبة وخريجي التعليم العالي يعانون من ضعف فادح في التعبير والتخاطب والاتصال...
وملخص القول أن النجاح في رفع تحديات التنمية يفترض تشخيصا جديا ودون مجاملة أو رضاء بالذات لحقيقة الوضع الذي عليه الطاقات، وللعوائق، وهذا لم ألمسه مع الأسف في الوثائق. .مهما يكن من أمر فإن الحوار لا بد أن يتكثف ويتوسع ويخرج من المناسبات الاستثنائية مثل هذه ويقلع عن الروتين وعن" التطير" من الرأي المخالف ويسمح لجميع الحساسيات دون إقصاء يالاجتهاد بكل حرية وتقديم المقترحات في وسائل الإعلام الوطنية التي يجب أن تنفتح لجميع الآراء كل أسبوع دون انتظار الحملة الانتخابية مرة في كل خمس سنوات... وأنا أتوجه هنا باسم حركة التجديد نداء إلى حوار وطني حر ومتواصل في قضايا التنمية.
وأكتفي بالتأكيد في الختام على ضرورة:
1- إصلاح هيكلي شامل لمنظومة التربية والتكوين والتعليم العالي
2- تشخيص الأسباب التي تجعل الاقتصاد لا ينتج مواطن شغل كافية رغم المجهودات المبذولة وهو ما يستلزم إعادة النظر جديا في الاختيارات المتبعة في اتجاه اضطلاع الدولة بدورها الاستراتيجي كاملا
3- إدخال إصلاح عميق على سوق الشغل وآليات الانتداب والإدماج بوجه يضمن تكافؤ الفرص أمام فرص التشغيل بعيدا عن كل حيف وكل محاباة ومحسوبية وظاهرة "الأكتاف" عموما
4- سن سياسة تنمية جهوية جديدة تقطع مع الاختلال المزمن في التوازن بين شرق البلاد وغربها مما يستلزم إخراج المناطق الداخلية من التهميش والعزلة باعتماد نمط جديد من التهيئة الترابية يقوم على إعطاء الأولوية للجهات المحرومة
5- ربط نمط التنمية بالإصلاح السياسي في اتجاه تجاوز الطابع الشكلي للتعددية إلى نظام ديمقراطي فعلا لا قولا، نظام يسمح لجميع الطاقات وجميع الحساسيات دون إقصاء بالمساهمة في إيجاد الحلول للمعضلات الوطنية
ويضمن المشاركة الحرة والمقتنعة (والاقتناع يقترض حرية النقد والانتقاد ) لجميع المواطنين في رسم الاختيارات ومراقبة تنفيذها عبر مؤسسات ديمقراطية حقا.
شكرا على الاستماع والسلام عليكم.
(عن جريدة "الطريق الجديد" (4 أكتوبر 2008))